عدد الرسائل : 4 نقاط : 8 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
موضوع: بين يمامتين ( روح الشعر ) الأربعاء 03 فبراير 2010, 11:31 am
بـيـن يـمـامـتـيـن
الشاعران العزيزان نبيل أبو السعود والسيد جلال يتفقان في أمرين ويختلفان في كل شيء بعدهما ، الأمر الأول أنهما من الأصدقاء الأعزاء ، والأمر الثاني أن كلا منهما وقع في غرام يمامة وخط فيها قصيدة أبو السعود بالعامية وجلال بالفصحى ، وبالطبع وقعت في غرام الإثنتين0 نبيل أبو السعود رجل أعمال له أسلوبه الساخر في عاميته ويواجه الحياه بخفة هذا الأسلوب وبخبرة رجل الأعمال الذي كم خسر وكم كسب ، وله ديوان بعنوان ( البحر هيضحك ليه ) وسنلتقي به ذات مقال عن رائعته ( المتنبي في زيارة كمال نشأت)0 والسيد جلال يعمل مدرسا ورغم انه فكه وبسيط جدا إلا انك تشعر بأنه يحمل هم الدنيا فطبيعته الحساسة تجعله ينظر للأمور بأكثر من معنى وهذا ما سنراه في قصيدته ، ولسيد جلال ديوان بعنوان ( العبير التائه ) وله ديوان أخر سيصدر قريبا عن هيئة الكتاب وستكون لنا وقفة معه إن شاء الله ، وهو أيضا صاحب صالون شروق الأدبي وله منتدى يغطى أحداث الصالون على النت0 هذا عن الشاعرين فماذا عن اليمامتين ؟؟ وهنا لم يكن المقصود المقارنه بل المقاربه وتحليل نفسية كليهما عند التعامل مع المشهد الواقعي وكيفية تحويله إلى مشهد شعري جذاب أو كما قال أرسطو ( إن الواقعية هي نقل الشاعر من الواقع عن طريق أحاسيسه ومشاعره )0 بدأت قصيدتاهما بمشهد متشابه تماما ، يقول نبيل : (شايفها في الفضا تايهه ومحتاره / لقتها فى لحظه مختاره بلكونتى / فقس بيضها فى حوض زرعى) ويقول السيد جلال: (يمامة تبحث عن عش لها / بين البنايات الجديده / داهمها الليل / فباتت فى العراء والبروده / فوق هوائى لتلفاز تئن / ما استقبلا بثا لها أو هم) اليمامة الأولى كانت حائرة أين تضع بيضها ووجدت بغيتها فى بلكونة نبيل أبو السعود واختارت حوض الزرع كمأمن للصغار القادمين فلم تدم حيرتها وبحثها كثيرا ، أما اليمامة الثانية أحالنا السيد جلال معها إلى هم كبير وكأنه يحكى عن نفسه وليس عن يمامه ، وتأمل هذه العلاقة العابرة بينها وبين الهوائي الذي لم يشعر بها0 ثم يأتي مشهد ثان متقارب الحيثيات ، يقول نبيل: (بقيت راعى لها وحارس / تمر ايام وانا جالس / وباتلصص على حالها / وأتحسس لأحوالها / وصبحت كل موالى وغنوتى / أطل عليها يوماتى / وأقضى أحلى أوقاتى) ويقول السيد جلال: (وفى الصباح افتح الشباك/ علني أرى هذه الشريدة) أرأيتم الفرق بين يمامة أراحت عاشقها وهبطت فى مطاره ليرعاها ويتلصص على أحوالها وأسعدته بقربها ، وبين يمامة أخرى تعذب عاشقها الذي بدأ صباحه بالبحث عنها ليطمئن عليها فهي لم تهبط لديه إذا أين هي ؟! يقول السيد جلالبالصبر كانت تنقل القش / لكوة بحائط الجيران / حتى شيدت عشا) هذا حال يمامة السيد جلال وماذا عن اليمامة الأخرى ، يقول نبيل أبو السعود: (أحط العدس والميه / شوية رز منسيه / أهش النمل بالكمون / وارش الملح حواليها / أخش أنام ومطمن) هنا تختلف حالة نبيل تماما فهي حالة من تحمل المسئولية الأبوية تجاه اليمامة وصغارها لأنها وضعته فى هذه الحاله عندما اختارت بلكونته وليست مشاعر الأبوة فقط بل أن استدعاءه الرائع لعادات جدتـى فى ( أهش النمل بالكمون وارش الملح حواليها ) يأتي بمشاعر الأمومة أيضا ويحيلك إلى مشهد الأم حين تبخر أبناءها وترقيهم من العين والحسد ، أما حالة السيد جلال فهي أصعب لقد اختارت أن يكون عشها بحائط الجيران لكن اهتمامها لم يكن بأولادها بل كان بالقادم المنتظر ، يقول السيد جلال : (و قبل يومين كانت وحيدة / حيرى تروح تجيء / فى مدخل العش تنام / ترقب الجو كأنما حبيب قادم مع الضياء / من ها هنا أو ها هنا / ثم الحبيب لا يجيء / مسافة بين الهوائي وبينها / قصيرة تطول / من الوصول للوصول) إن السيد جلال يغوص فى نفس اليمامة يتعمق بداخلها وينقل أحاسيسها من حركاتها ، جميل قوله فى مدخل العش تنام لترقب ) أرأيتم الصورة وكأنها الزوجة التي تطل من الشباك فى انتظار الزوج الحبيب ، ورائع قوله ( قصيرة تطول من الوصول إلى الوصول ) استكمال لصورة الحيرة وعذاب الانتظار هذا الإسقاط الانسانى بطبعه أولى به رقة الطير وأحاسيس يمامه0 ثم ينقلنا نبيل أبو السعود إلى حواريه رائعة صامتة صاخبة مع يمامته يقول : (واقوم من النوم واطمن / على الذريه وعيني بترقص يفرحوا بى/ أشوف ريشهم طول حبه / أبوسهم بس بالحبه / أوشوشهم فيشكوا لي/ من السقعه / وحبات المطر واقعه / شوية قش يحميهم/ حنان الإيد يدفيهم) أرأيتم الحوار الصامت فى (أوشوشهم ) والصاخب فى ( ويشكوا لي ) أرأيتم هذه المشاعر الأبوية التي فرضها الصغار على نبيل أبو السعود ورأيتم استدعاءه الثانى لعادات الجده عندما كانت تزغط طيورها بفمها وهى تقبلهم بل أن هذه الحاله أحالة نبيل دون أن يدرى إلى: (ابص لهم وأتذكر يمامتي / وهم حياتي وأمالى/ ومالي فى الوجود غيرهم / ومالى الدنيا أخبارهم / وأقول بكره هيجي يوم / ألاقى وليف بيطلبهم / وفى ايدى يحط الإيد / ونبنى عش تانى جديد) أرأيتم جمال الإحالة إلى الأبوة الحقيقية واليمامات البشرية وكيف ربط نبيل أبو السعود بين الخيال والواقع بمشاعر وأحاسيس واحده ، انه الشعر يا ساده ، كما هو الشعر بكل ما يحمل من معاناة وجمال مع يمامة السيد جلال التى بدأت تنفرج أساريرها : (وحل الغروب 00 لا غروب / رف جناح النور من ليل الغيوب / شق الغيوم 00 هل الحبيب) ومع عودة الفارس المنتظر ليمامة السيد جلال ومع شدة عود يمامات نبيل أبو السعود يأتي مشهد النهاية لكليهما فترى كيف رسم لنا كل من الشاعرين فى النهاية، يقول نبيل أبو السعود: (ويوم بافتح بلكونتى / لقيتهم فى البراح طايرين / وماليين الفضا ترانيم) هذا عنهم فقد انتهت مدة الحضانة وربما الضيافة أيضا فقد امتلكوا القدرة على الهجرة إلى الفضاء الرحب إلى طبيعتهم لكن ماذا عن أحاسيس الشاعر نبيل أبو السعود لم يخبرنا وكأنه ارتضى لهم هذا وسعد به كما حدث مع يماماته البشرية ووليف كل منهن فهذه سنة الحياه 0 هذا عن يمامات نبيل فماذا عن يمامة السيد جلال فى المشهد الأخير: (هل الحبيب / تمايلا 00 تراقصا 00 تداعبا / حل المساء والشتاء واقفين فى العراء/ لا برودة / يمامة سعيدة / بين البنايات التعيسة )0 لم يترك السيد جلال مشهده الأخير دون أن يبدأ منه قصيده جديدة تركها للمتلقي قصيدة شجن حزينة شطر واحد يحيلك إلى الواقع المرير ( بين البنايات التعيسة ) ذكرتني هذه النهاية بنهاية الأفلام الأجنبية غير المتوقعة فى حين أن قصيدة نبيل أبو السعود رغم أنه لم يذكر أحاسيسه فى نهايتها كما فعل السيد جلال لكنها انتهت بنهاية الأفلام العربية السعيدة دائما0 وهكذا اعزائى القراء عشنا لحظتين معا وشعورين اتفقا فى قليل من الأحداث واختلفا فى الكثير منها ولكنه فى النهاية الشعر يا سادتى0
ناصر صلاح
ozorees Admin
عدد الرسائل : 383 نقاط : 703 تاريخ التسجيل : 29/11/2008
موضوع: رد: بين يمامتين ( روح الشعر ) الأربعاء 03 فبراير 2010, 12:49 pm
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته صديقي ناصر صلاح إبداع نقدى رائع وتوجه جديد تجاه التحليل الأدبي للصورة الشعرية والمشهد الأدبي يسهل لكل الزملاء تعاطيه وهضمه والتفاعل معه مزيد من التوفيق مزيد من الأمل مزيد من الحب ــــــــــــــــــــــــــ