اللوحة الرابعة)
أرِشْ سهمك .. فقد لاح الصيْد (3/3)
7- الهدية خيرُ مطيّة, (وإذا كانت الهدية من الصغير إلى الكبير فإنها كلما لطفت ودقت كانت أبهى، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فكلما عظمت وجلت كانت أوقع), وشواهدُ التربية تُقرّرُ أن للهديةِ مفعولاً جبّاراً في استمالةِ القلوب, لا يعرفُ سرّه إلا من جرّب, ولا يشترطُ في الهديّةِ أن تكون باهظة الثمن, صعبةَ المتناول إنما يكفي في الهديّةِ أن تكون متوسطةَ الكُلفة, لا تثقلُ كاهل المُهدي ولا تصيبُ المهدى إليه بالحرج, وكما قيل الكُلفةُ تُذهب الألفة, وما أجملَ أن تكون الهديّةُ مما يسدُّ مَسَدّاً عند المهدى إليه, كأن تكون ساعةً لمن لا يملكُ ساعة، أو كتاباً أعيا المهدى إليه الحصول عليه, وما إلى ذلك.
وأذكّر دوماً بأهميةِ الحفاظ على بقيّةِ علاقاتك مع المتربين, فلا تكون الهديةُ على ملأٍ منهم, مما قد يورثُ الغيرة, ويولّد الأضغان, اللهم إلا إن كان بعد تعليقها بسببٍ ظاهر معقول، كأن يُقال: قُدّمتْ هذه الهدية لمحمد نظيرَ مواظبته على الحضور, مع تحقيق محمد لهذه الخصلة تحقيقاً ظاهراً.
أما إن أردت أن تهدي متربياً آخر , لا لشيء إنما لاستمالةِ قلبه , فليكن الإهداءُ في منعزل عن بقيةِ إخوانه , حتى لا تكسب طرفاً و تخسر أطرافا , وأؤكد أن الهدية ليست مقصودةً في ذاتها , إنما هي وسيلةٌ إلى غاية حميدة.
8- رزانةُ الشخصية, والسمتُ المقنّن, والثقافةُ الواسعة, والاطلاع النَهِم, عواملُ تسلب الألباب, وتجتذب القلوب, والحقُّ يُقال أن المربي ذو الشخصية الرزينة المتزنة, يكسبُ القلوب على المدى البعيد, خلافاً لشخصية المربي المتفكه الذي يصلُ أحياناً إلى درجةِ التهريج وللأسف الشديد, لا أخفيكَ سرّاً أن الشخصية المتفكهة قد تأسرُ القلوب, لكنه في الغالبِ أسرٌ يعقبه هروب وفكاك ولو بعد مدّة, لأنه وبعْدَ مدّة سيصبح غالباً شخصيّةً مملة لنفاد الجديد مما يملك, خلافاً للشخصيّةِ الثقيلة التي تفرضُ نفسها بين المتربين, وينظر إليها المتربون بإعجاب شديد, خصوصاً إذا كانت تملك مخزوناً ثقافياً تستلم به زمام المجلس, وتثري به النقاش المفيد, ومن المخجل أن يفهم البعضُ أني أقصد الجمود في الشخصيّة, ذلك الجمود الذي يجعلكَ أحياناً لا تُفرّقُ بين الجدار وبين من أمامك, وغالبُ أصحاب هذه الشخصيات يخفون نقصاً بهذا الأسلوب العقيم شخصيّةُ أبي ثامر التي ذكرتها آنفاً, هي شخصيّةٌ تملك ما يُعرف بـ(الكاريزما) بشكلٍ يفوق الوصف, ومع ذلك لم تكن ضحكاته سوى تبسّما , وعند استرساله في الحديثِ ترى الجميع شاخصين بأبصارهم , ينصتون بكل ما أوتوا من قوّة.