عدد الرسائل : 209 العمر : 52 نقاط : 576 تاريخ التسجيل : 25/01/2009
موضوع: آداب تربوية (7) الخميس 28 يناير 2010, 3:10 am
أهمية اللعب والرياضة لصحة الطفل العامة يهتم الإسلام بإعداد أفراده إعداداً متكاملاً من جميع النواحي الخلقية، والفكرية، والجسمية، ولا يقتصر على ناحية منها دون أخرى. ومن الجوانب التي يهتم بها هذا الدين، ويألوها اهتماماً: القوة في البدن، مع كمال الهيئة، وانتصاب القامة. فالقوة الجسمية ـ مع العلم ـ أساس للقيادة والرئاسة، وهذا مستنبط من قول الله تعالى ـ عند بيان سبب اختيار طالوت للملك على قومه ـ: {قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ...} [البقرة:247]. فلا بد للقيادة من العلم النافع الصحيح، والقوة في الجسم. وجاء الأمر من الله عز وجل بالإعداد، والاستعداد بكل أنواع القوة حسب الإمكانات المتوافرة، فقال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ …} [الأنفال:60]. وجاء لفظ ((قوة)) في الآية نكرة، غير معرفة، لتفيد إعداد كل ما يدخل تحت معنى القوة من إعداد جسمي للمقاتلين، أو إعداد فني بالخطط والدراسات، أو إعداد تجهيزي بالسلاح والعتاد. وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام مادحاً المؤمن القوي( المؤمن القوي خير أو أفضل وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وكل خير)). وبناء على هذه الأهمية الخاصة بالجسم، فإن كل نشاط مشروع يفيد الجسم ويقويه يعد نشاطاً مستحباً ومطلوباً، فاللعب والرياضة وأنواعهما المشروعة: تصبان في هذا السبيل، وتعدان رافداً جيداً لتقوية البدن، وصلابة العظام، وتنمية العضلات، فإن مقصود الجهاد والإعداد هو نفس المقصود والغاية من الرياضة وممارستها، فإن الرماية، والسباحة، وركوب الخيل، وسائل من وسائل الجهاد. والأب يحرص على رعاية أولاده من هذه الناحية، ويوجههم إلى أفضل السبل المشروعة للاستفادة من طاقاتهم الحيوية، وقدراتهم الجسمية بما يعود عليهم، وعلى الأمة، بالقوة والمنعة. ولا ينبغي تذرع بعض الآباء بالخوف على أولادهم، فيمنعونهم من ممارسة النشاطات البدنية، فإن هذا الخوف يجعلهم اتكاليين، ضعيفي الإرادة والقدرة، كما أن تحقق هذا المطلب للآباء بعيد المنال؛ لأن الحركة عند الطفل غريزة قوية، ومن المستحيل التفكير في الحد منها، أو كبتها. وقد راعت الشعوب والأقوام المختلفة حاجة الأطفال الصغار إلى اللعب والحركة منذ أقدم العصور، فهذه الحفريات تثبت أن الفراعنة كانت لديهم ألعاب للأطفال من طين، وفخار، وخشب، وغيرها، وعندما جاء الإسلام، وظهر نوره في المدينة المنورة، أقرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أنواع النشاطات البدنية، كسباق الخيل، وكان يشرف على ذلك بنفسه. وكان عليه الصلاة والسلام يقوم ببعض النشاطات البدنية الأخرى مع الأولاد، فكان ((يَصفُّ عبدالله وعبيدالله وكثيراً من بني العباس ثم يقول: من سبق إليَّ فله كذا وكذا، قال: فيستبقون إليه فيقع على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمهم)). وهذا من أبلغ ما نُقل عنه عليه الصلاة والسلام في إقرار الرياضة، وممارسة النشاطات البدنية المختلفة مع الأولاد. وقد سبق عليه الصلاة والسلام بفعله هذا رجال التربية الحديثة الذين اعتبروا اللعب ضرورة هامة لنمو الفرد الجسمي والعقلي. ومن هنا تكون الرياضة واللعب جائزتين في الإسلام، وتجوز ممارستها وتتأكد بالنسبة للأطفال؛ لحاجتهم الطبيعية إلى الحركة واللعب. ويعتبر من السهل نقل إجماع أكثر رجال التربية على أهمية اللعب والحركة ودورهما الهام في تنمية قوى الطفل، الجسمية، والعقلية، والخلقية، والاجتماعية. ففي مجال التنمية الذهنية للطفل: ((أثبتت الأبحاث أن الأطفال الذين تكون لديهم الإمكانات والفرص للعب … تنمو عقولهم نمواً أكثر وأسرع من غيرهم ممن لم تتح لهم هذه الفرص وتلك الإمكانات)). وفي مجال تنمية القوى الجسمية وتنشيطها، فإن لعب الأطفال يكسبهم مهارات حركية، فالقفز، والجري، والتسلق، والتسابق وغيرها من النشاطات الجسمية يكتسب منها الطفل قدرات حركية، إلى جانب أن اللعب يساهم مساهمة كبيرة مع الغذاء في زيادة وزن الطفل، وحجمه ويساعد على نمو أجهزته الجسمية المختلفة. أما في الجانب الاجتماعي والخلقي فإن ممارسة الطفل للعب وسط مجموعة من الأقران، يساعده على التكيف الاجتماعي، وقبوله آراء الجماعة، وإيثارها على النفس، والتخلص من الأنانية وحب الذات، إلى جانب ظهور القيادات بين الأولاد، وتعلم أساليبها وطرق ممارستها. كما أن المباريات المختلفة بين الأطفال تعتبر مجالاً جيداً لصرف المشاعر العدوانية عندهم. وممارسة الطفل للأدوار الاجتماعية المختلفة كالأب، والأم، والطبيب، والجندي، في لعبه التمثيلي: يجعله يتقلب بين هذه الشخصيات المختلفة، فيكتسب منها أدباً اجتماعياً في كيفية التعامل مع هذه الفئات، والشخصيات الاجتماعية المختلفة. ومن فوائد اللعب أيضاً: أنه يساعد الطفل على معرفة البيئة من حوله، فيكتشف أولاً غرفته التي يعيش فيها ومحتوياتها، ثم يتعرف على باقي غرف البيت، وما فيها من أثاث، ويتدرج في ذلك ليخرج فيتعرف على ما يحيط بالبيت من منازل، وحدائق. وهكذا فالطفل في نمو مطرد، ومستمر، وظاهر حركته اللعب واللهو، ولكنه لعب مفيد، يزيد في معرفته ومعلوماته. وقد أشار إلى أهمية اللعب الإمام الغزالي، وتنبه إلى ذلك من جهة حث الولد على طلب العلم، وعدم التنفير منه فقال رحمه الله: ((وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعليم دائماً يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً)). وهذه لفتة هامة من الإمام الغزالي تبين أثر اللعب في النشاط الفكري للولد، وأن فيه راحة للعقل من كثرة التلقي، كما أن في إهماله إيذاء للولد وتضييقاً عليه في عيشه، ودفعاً له لاتخاذ الحيلة غير المشروعة. وقال رحمه الله حول أهمية الحركة والرياضة للولد: ((ويُعوَّد في بعض النهار المشي والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل))، وقال بعض الحكماء: ((الخلق المعتدل، والبنية المتناسبة دليل على قوة العقل وجودة الفطنة))، وقد أثبتت التجارب ما أشار إليه الغزالي من أن هناك علاقة بين حركة الجسم والعقل، ((فالتمرينات العضلية التي تسبق العمل الفكري تؤدي إلى تحسينه غالباً وزيادة نشاطه))، كما أنها في الجانب الآخر ((تنمي كتلة العضلات، وتزيد من قدرتها على المقاومة، كما تزيد ضخامة العظام، وتيسر سرعة الحركة ورشاقتها)). ومما تقدم نجد أن الرياضة البدنية ضرورية لإعداد الأفراد اللائقين بدنياً، وعقلياً، واكتساب القامة المعتدلة، وإعطاء الجهاز الدوري، والدورة الدموية كفاءة جيدة مع حماية الجسم من الأمراض، ولقد نص الميثاق الدولي للتربية البدنية والرياضية في مادته الأولى على أن الرياضة حق أساسي للجميع، وأنه يجب توفير برامج للتربية البدنية والرياضية للأطفال، في سن ما قبل المدرسة. وهذه أدلة كافية وواضحة على أهمية هذا الجانب في حياة الولد، حيث يتحمل الأب المسؤولية الكبرى في إعداد وتكوين الجو المناسب لابنه، لاستغلال طاقاته وقدراته الجسمية في ممارسة الألعاب والنشاطات البدنية المختلفة التي تعود عليه بالنفع.