عدد الرسائل : 209 العمر : 52 نقاط : 576 تاريخ التسجيل : 25/01/2009
موضوع: آداب تربوية (6) الخميس 28 يناير 2010, 3:07 am
- تعويد الطفل على النظافة في بدنه وملابسه لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة للمسلمين في كمال هيئته ونظافة بدنه، وملبسه، فهو أكمل بشر خلقه الله عز وجل، يقول ابن الجوزي رحمه الله: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم أنظف الناس وأطيب الناس، في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه، حتى تبين عفرة إبطيه، وكانت ساقه ربما انكشفت فكأنها جمارة ( باطن الجذع )، كان لا يفارقه السواك، وكان يكره أن تشم منه ريح ليست طيبة)). وفي وصف آخر لنظافته عليه الصلاة والسلام، واهتمامه البالغ بذلك، يقول الحكيم الترمذي رحمه الله: ((وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربط الحجر على بطنه من الجوع، ولا يترك الطيب، ويعاهد أحوال نفسه، وكان لا يفارقه المرآة والسواك والمقراض في السفر والحضر، وكان إذا أراد أن يخرج إلى الناس نظر في ركوة فيها ماء فيسوي من لحيته وشعر رأسه ويقول: إن الله جميل يحب الجمال)). فكان عليه الصلاة والسلام لا ينشغل عن النظافة حتى بالجوع الذي في العادة ينسي الإنسان كل شيء إلا الطعام. وفي هذا توجيه عملي منه عليه الصلاة والسلام للاهتمام بهذا الجانب، ولم يكتف بذلك، بل كان ينكر على من أهمل نظافة بدنه وملبسه، فقد روي أنه رأى رجلا ثائر الرأس فقال: ((لم يشوه أحدكم نفسه)). ورأى رجلا وسخ الثياب فقال: ((أما يملك هذا أن يغسل ثيابه)). وجعل غسل الجمعة واجباً فقال: ((الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)). ووقت عليه الصلاة والسلام أطول مدة يقيم فيها الرجل دون غسل أن لا تزيد عن أسبوع واحد، فقال: ((لله تعالى على كل مسلم حق أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما)). وإن كانت هذه النصوص لا تعم الأطفال إلا أنه يستحب الغسل لمن أتى الجمعة من الصبيان وغيرهم ممن لا تجب عليهم، فعلى الأب أن يعود أولاده غسل يوم الجمعة، ولبس أحسن الثياب، لمشروعية ذلك، ولتكون النظافة والطهارة شعار المسلم، خاصة في العبادات وبشكل أخص في يوم الجمعة فهو يوم عيد للمسلمين. ولا يقتصر على غسل الجمعة، فإن الاقتصار عليه أدنى الكمال، بل يعود أولاده كثرة الاغتسال، وحب التطهر والنظافة من غير إسراف أو وسوسة، فإنه لا ينبغي التشدد في موضوع النظافة مع الولد إلى أن يصل إلى حد الاشمئزاز منه إذا اتسخ، فإن هذا ربما أدى إلى مبالغة الولد بالنظافة مستقبلا، وربما ساقه إلى غسل يده بعد مصافحة الناس، بل يكون سلوك الأب في ذلك وسطا بين النقيضين، محافظا على ولده من الإفراط أو التفريط، خشية أن يقع في الوسوسة الممقوتة. ومن الوسائل المشجعة للولد الصغير على حب الاغتسال، إدخال السرور عليه أثناء الاستحمام، كأن يؤمن له بعض الألعاب البلاستيكية التي لا تتأثر بالماء، فتوضع له في مكان اغتساله ليلهو بها، ريثما ينتهي الأهل من تنظيفه وتطهيره، مع مراعاة حسن اختيار الصابون، حيث يفضل النوع الذي لا يضر بالعين عند فتحها أثناء الغسل، ولا بأس بالتوجيه المباشر للولد في حثه على النظافة، مع امتداح الأطفال النظيفين، وذم الأطفال القذرين أمامه، وعلى مسمع منه. فإن في هذا تنفيرا له من القذارة. أما الولد الكبير فيكون توجيهه من خلال تعريفه بأهمية النظافة في البدن والملبس، وأن الدين اهتم بها، والرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة في ذلك فهو أنظف الناس وأحسنهم ريحا، مع ضرب المثل له بالنظيف كيف يميل الناس إليه وإلى القرب منه، والوسخ كيف ينفر الناس منه ومن ريحه. ويحاول الأب أن يصله بعالم الغيب، عالم الملائكة الأطهار، الذين يحبون الريح الطيب، ويكرهون الريح الخبيث، ففي حديث النهي عن إتيان المسجد بريح الثوم والبصل قال عليه الصلاة والسلام: ((فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس)). فكل ريح، ومنظر، يتأذى منه الناس، فإن الملائكة تكرهه وتتأذى أيضا منه، فلا بأس أن يشير الأب إلى هذه القضية الغيبية، ويعرف ولده بهذا الحديث، فيحفزه إلى النظافة والتزام الطهارة. ويعود الأب ولده على الاهتمام بنظافة ثوبه، وملبسه، فيكون في البيت، وعند الأقارب، وفي الأماكن العامة، حسن المنظر، نظيف الثياب. ولا يمنع من أن تكون له ملابس أخرى ثخينة، داكنة الألوان، يمارس بها لعبه ورياضته، وهذه الملابس لا ينبعي معاقبته على توسيخها، أو تفتق بعض أجزائه من جراء اللعب. أما ملابس الخروج والجلوس في البيت فينبغي متابعة الولد وتوجيهه للمحافظة على نظافتها وطهارتها، مع معاقبته عند الإهمال، ولا بأس بتكليفه تنظيف الجزء الذي أتلفه، أو وسخه، ليتحمل مسؤولية خطئه إن كان قد أخطأ. ويعود الأب ولده حمل المنديل في جيبه، ليتنظف به عند الحاجة، خاصة عند الامتخاط، فلا يلوث ثيابه بمخاطه كما يفعل بعض الصبيان. ويعلمه السنة في استعمال اليد اليسرى للامتخاط دون اليد اليمنى، فإن اليد اليمنى تستعمل للأمور الشريفة الطاهرة. وليس من العيب أوالحرج أن يتولى الأب بنفسه تنظيف ولده، وتطهير أنفه من المخاط، أو إزالة الأذى عنه في بعض الأحيان، فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها واصفة حال النبي صلى الله عليه وسلم واهتمامه بشأن أسامة بن زيد عندما كان صغيرا، قالت: ((أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحي مخاط أسامة. قالت عائشة: دعني حتى أكون أنا الذي أفعل. قال: ياعائشة أحبيه، فإني أحبه)). فهذا الاهتمام بالأولاد ورعايتهم من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم فيه دليل واضح على أن من سواه من الرجال أولى أن لايترفعوا عن القيام بمثل هذا الأمر، وقد روت السيدة عائشة أيضا قصة أخرى لأسامة بن زيد، ولكنها كانت أبلغ من هذه، وأعمق بيانا وتوضيحا، فقالت رضي الله عنها: ((إن أسامة عثر بعتبة الباب فدمي قالت: فجعل النبي يمصه ويقول لو كان أسامة جارية لحليتها ولكسوتها حتى أنفقها)). فهذه الرواية البليغة توضح - وبجلاء - أن قيام الأب بمهام رعاية بعض شؤون الأولاد - خاصة في جانب نظافتهم ورعايتهم الصحية - أمر مشروع بل مستحب لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقيامه بذلك على جلالة قدره ومكانته. ومن الجوانب التي ينبغي أن يهتم بها الأب أيضا في موضوع النظافة: الاهتمام بالأسنان، فقد ابتلي كثير من الأطفال بتلف الأسنان المبكر، الذي يؤثر على الهضم، إلى جانب الآلام التي يحدثها تسوس الأسنان خاصة بالنسبة للأطفال الصغار. وتعود معظم أسباب ذلك إلى إهمال العناية بها ونظافتها، إلى جانب كثرة أكل الحلوى والسكريات خاصة عند الأطفال. والحل الأمثل لا يكون بمنع الأطفال من تناول الحلوى، فهذا لاطائل وراءه، فالأطفال مشغوفون بحبها والميل إليها. ولعل الحل الصحيح والأمثل لهذه القضية هو تعويد الولد على استعمال الفرشاة، خاصة قبل النوم، فإن بقاء بعض الأطعمة، والحلوى على الأسنان أثناء النوم تسبب تعفنها السريع، وبالتالي يوجد التسوس الذي يفتك بالأسنان. والإصرار على الولد في استعمال الفرشاة أمر مهم، فلا ينبغي مجاملته في ذلك أبدا، بل يعود استعمالها بعد كل أكل، بل وحتى بعد كل شيء يتناوله من الأطعمة - إن أمكن - فلا يبقى على أسنانه شيء من الطعام طول الوقت. ويحفظ الولد من تناول المشروب البارد بعد المشروب الحار، أو العكس، فإن هذا أيضا من أعظم أسباب تلف الأسنان، كما يجنب استعمال أسنانه في كسر الأشياء الجافة القاسية، ويحفظ من أكل العلك الحلو. ويعود قدر الإمكان على استعمال السواك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حث عليه، وبين أنه طيب للفم، وطاعة للرب، فقال: ((السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب)). وقد كاد عليه الصلاة والسلام أن يأمر به، ويوجبه على المسلمين، لعظم فائدته ومنفعته، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لولا أن أشق على أمتي أو على المؤمنين لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)). وقد ثبت مؤخرًا ((أن في المسواك أملاحا معدنية، ومواد عضوية، ومضادات حيوية تطهر الأسنان، ومواد تقوي جدار اللثة)). وهذا البيان العلمي الحديث لفوائد المسواك لا يزيد الأب المسلم إلا يقينا بصدق كل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل، وإن كان المفترض في المسلم أنه لا يحتاج إلى دليل علمي تجريبي، لإثبات صحة ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن مثل هذه الحقائق العلمية، تقوي اليقين خاصة عند ضعاف الإيمان. وبإمكان الأب تعويد أولاده على استعمال المسواك، من خلال القدوة أولا، ثم عن طريق التوجيه المباشر، وتقديم قطع من أغصان شجر الأراك الرقيقة إليهم. ويحاول من وقت لآخر جلب مجموعة منها إلى البيت وتوزيعها باهتمام عليهم، أما إن كان في بلد لا يتوفر فيه هذا النوع من الشجر، ولا يجلب إليه، أو أن بيته بعيد عن موقع بيعه، فيمكن تأمين كمية منه، وحفظها في الثلاجة داخل كيس من الورق وآخر من البلاستيك، فإن التجربة أثبتت إمكانية بقائه بهذه الاحتياطات في حالة جيدة. وليس من الضروري أن يعرف الأولاد الطريقة الصحيحة في استعمال السواك بادئ الأمر، فإن هذا يحصل لهم بالمران والتعود، وإن لم يكن في استعمال السواك سوى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكفي ذلك دافعاً ومحركاً للاهتمام به، والمجاهدة في جلبه، وحفظه، وتعويد الأولاد على استعماله. ومما يلاحظ على بعض الأطفال في مسألة النظافة: إهمال تنظيف اليد والفم بعد الأكل، وخاصة قبل النوم، ووجود شيء من الدسم أو الدهن على يد الولد أو ملابسه أثناء النوم، يؤدي في بعض الأحيان إلى جلب بعض القوارض والدواب إلى فراش الولد، وربما لدغ من بعضها، وقد كان يكفي توجيه الولد إلى غسل يده وفمه بالصابون قبل النوم، وإزالة الأوساخ وبقايا الطعام، وقد جاءت السنة المطهرة بهذا التحذير والتنبيه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا نام أحدكم وفي يده ريح غمر، فلم يغسل يده فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه)). ولا يضر الأب أن يمر على أولاده كل ليلة في غرفهم قبل أن يناموا، ويتابع نظافتهم واهتمامهم بذلك، ولا بأس أن يشم أيديهم، فمن وجد في يده رائحة بقايا الطعام أمره بغسلها، ومن لم يستك، أو يستعمل الفرشاة، أمره بالمسارعة بتنظيف أسنانه قبل النوم، وهذا العمل لا يكلف الأب أكثر من بضع دقائق يقضيها في هذه المتابعة الشيقة، خاصة وأن الأولاد يتنافسون في كون كل واحد منهم أنظف من أخيه، وأن رائحة يده أطيب من غيره، ويضفي الأب على هذه المتابعة جوا من الملاطفة والمداعبة، متجنبا السخرية والتعنيف. ويحبب الأب إلى أولاده الطيب، كالعود، والورد، والعنبر، والمسك، وغيرها مع تجنب العطور المصنعة والممتزجة بالكحول، لأن أكثر أهل العلم يقولون بنجاستها، والأب يحتاط لأولاده في جميع القضايا، ومن تعود استعمال هذه العطور الطبيعية في صغره، فإنه في العادة لا يميل إلى غيرها في كبره. وهذه العطور التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحبها ويقول: ((حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وُجعل قرة عيني في الصلاة)). وقد وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة أربعين ليلة كحد أقصى لتقليم الأظفار والأخذ منها، والأب يحرص على تعهد ولده، وأمر الأهل بتنظيف أظفار الولد، والأخذ منها أولا بأول، خاصة بالنسبة للرضيع، فإنه في العادة يخدش وجهه بأظفاره. أما الولد الكبير إذا أهملت أظفاره حشيت تحتها الأوساخ، والقاذورات حتى تتعفن، فتضره، وتؤذيه.