عدد الرسائل : 305 العمر : 71 نقاط : 616 تاريخ التسجيل : 06/09/2009
موضوع: فردة الشراب السبت 30 أكتوبر 2010, 2:22 am
الشراب
بقلم خيرى رمضان ٢١/ ٧/ ٢٠٠٩
كانت أحلام الأب تفوق بكثير هذا الحى الشعبى الذى يضم بيته وورشته، فعلى الرغم من تواضع الأحوال وقلة الدخل مع نهايات الحرب العالمية الثانية، فإن الأب قرر أن يركز كل حلمه فى وليده الجديد صاحب العينين اللامعتين المتحديتين، فالتعليم فى تلك المرحلة كان مقصوراً على الأغنياء، ولكن الثورة الوليدة مدت أياديها وفتحت نوافذ التعليم لكل أبناء الشعب وكانت هذه فرصة لمكافأة الأب، المكافح الحالم، بنبوغ ابنه المبكر.
هذا الابن الذكى كان يجلس كثيراً فى ورشة والده يتأمله وهو يحول قطع الأثاث المتهالكة إلى جديدة، بلمسة رقيقة يعطى للمقاعد والمناضد والنوافذ روحاً حية.
مرارة ما تطل من عينى الابن، تمرد على طبقته، على منطقته الشعبية، على وظيفة والده، كلها كانت تدفعه إلى التفوق، كان والده يطلب منه ألا يجلس كثيراً فى الورشة، خاصة عندما يناديه بعض الزبائن بـ«الأسطى الصغير»، «إنت لازم تكون مهندز كبير وأنا أبوالمهندز»، قالها والده وصدق، تخرج الابن فى كلية الهندسة بتفوق وحصل على منحة الدكتوراة فى الخارج وهو يردد كل يوم «راجعلك يا مصر» ويا ليته ما عاد!
عاد نهماً متعجلاً، مغروراً، افتتح مكتباً هندسياً، كان طريقه نحو الكبار خلال سنوات قليلة، وبعيداً عن ملعب السياسة، ارتفع نجمه، فقد تعلم أنك كى تصعد سلم المجد والسلطة فى هذه البلاد، لا تشغل بالك بممارسة السياسة.. فقط قدم خدماتك إلى كبارها، خدمات مجانية وبقدر قيمتها بقدر صعودك.. اختلفت الحكايات حوله، يقولون إن صحفياً كبيراً كان قد بنى له بيتاً كبيراً سهل له بناء فيلا خاصة بواحد من الكبار - طبعاً مجاناً - ويقول آخرون إنه اشترى بيتاً بجوار هذا المسؤول فى إحدى المحافظات الساحلية، ونجح فى اختراقه، حاول كثيراً الدخول إلى قصر الكبير ولكنه فشل، فركز فيمن هم دونه، حتى وصل إلى كرسى السلطة
أصبح مسؤولاً فى هذا البلد، فأحضر سكيناً مستمداً من مرارته القديمة تسلطاً وعنفاً وتطاولاً على من هم دونه أو فى حاجة إليه، بالسكين بدأ فى تمزيق أرض الوطن، تعلم كيف يرضى الكبار والمسؤولين والأجهزة الرقابية، ما أن يجلس وزير جديد على كرسيه أو مسؤول فى موقع حساس حتى يدعوه، فيهديه قطعة من جنة الوطن، واحدة للبيع بدون تسجيل وباسم المشترى تضمن لك الاستقرار المادى، وأخرى للعائلة كى تعيش وسط الأثرياء على هذا اللسان الكبير المسلط فى وجه البؤساء والمكافحين والمهرولين نحو لقمة العيش.
أغلق مكتبه الهندسى حتى يبعد عنه كل الشبهات، يقولون إن الكبير أمره بذلك، قريبه افتتح مكتباً آخر فهطلت عليه المليارات، أكثر من عشرة مليارات فى ٥ سنوات وكله سليم بالورق «ورق مستف».
يسمع الكبير الشائعات حول الرجل المتسلط، يكلف أجهزته بالبحث والتحرى: كله شرعى.. كله سليم، اطعم الفم تستحى العين واليد والتقارير.
وفجأة صدر القرار بعد سنوات طوال: اجلس فى بيتك، فى مكتبك، مع منحه حصانة معنوية تحميه من بطش الشرفاء إذا قدروا على البطش.
عاش الرجل سنوات قليلة يعانى من تسلط الصحافة وتشريحها له ولتاريخه، ومن مطاردات استجوابات مجلس الشعب، طرق الأبواب التى سبق أن طرقت بابه ولم تعد خائبة، وصل إلى الكبير، بكى وهو أستاذ فى فن البكاء، قال له: «يا كبير، أصبحت ملطشة، لا أنام، أرى نفسى لصاً فى عيون الناس، أخجل أمام أولادى، وأنا الذى ضحيت بكل غال وثمين فى قلب الوطن من أجل كباره، أنا الذى مزقت أرضه بكل تفان، أصبحت يا سيدى مثل فردة الشراب التى ضاعت رفيقتها، لا أصلح إلا للعب الكرة الشراب، أنا شراب يا كبير»، أعجب الكبير بالتشبيه ونظر إلى رأسه المستدير فوجده بالفعل يشبه الكرة الشراب بتعرجاتها، أشفق عليه، لم يرضه أن يصبح هذا حال واحد من رجالاته، أصدر قراره «شوفوا له حاجة تخليه فردتين شراب، المهم يكون الراتب كبير، الفلوس عندنا كتير، هنعمل بيها إيه»!
.
عبدالله شعبان
عدد الرسائل : 181 العمر : 54 الموقع : apdallah_shapan@yahoo.com نقاط : 338 تاريخ التسجيل : 16/09/2009
موضوع: رد: فردة الشراب السبت 30 أكتوبر 2010, 10:50 am
دوما نجد فى مشاركاتك استاذتنا الغالية نجد كل ما هو جميل ومفيد وهادف سلمت يمناكى كل التقدير والاحترام
سعادات حسين
عدد الرسائل : 305 العمر : 71 نقاط : 616 تاريخ التسجيل : 06/09/2009
موضوع: رد: فردة الشراب السبت 30 أكتوبر 2010, 1:07 pm
بارك الله فيك أستاذ عبد الله كله كوبي وبيست على فكرة عصيربست ده حلو ما فيهوش مواد حافظة تبقى تجربه "فقرة إعلانية " .