البطل في الوجدان الشعبي ... السيد نجم
"ياسين وبهية", "أدهم الشرقاوي", " شفيقة ومتولي".. وغيرهم من الشخصيات الشعبية, مجدتها الذاكرة الجمعية في الفنون الشعبية. الا أن الروائي "محمد جبريل" في دراسته "البطل في الوجدان الشعبي يجيب على السؤال: "لماذا مجد الوجدان الشعبي تلك الشخصيات الحقيقية؟". صدرت الدراسة في كتاب عن سلسلة "مكتبة الدراسات الشعبية".
الواقعية التاريخية ليست مقدسة في رواية الوجدان الشعبي, وهو مدخل الكاتب في تلك الدراسة. وإن كانت بداية الاهتمام بالسيرة هي سيرة الرسول محمد (صلعم), فقد تواصلت حتى العصر الجديث. حتى قال الباحث أن السيرة الشعبية هي حلم شعبي بالتاريخ أو إعادة صياغة التاريخ.
ففي سيرة عنترة, هناك أراء مختلفة حول الراوي الأول لها, إلا أن المؤكد أن الرواة قد تعددوا, وأن الأصل التاريخي قد تبدل. ففي عصر العرب القديم, دعت السيرة إلى قيم الحرية والعدالة والمساواة, وهي القيم نفسها التي ترددت في الصياغات التالية. وبدلا من الأحداث الواقعية العربية, تبدلت بوقائع أخرى ضد الحكام أيام الفاطميين (مثلا). وتأكيدا لهذا المعنى أضاف الوجدان الشعبي في بعض الصياغات أن له أجدادا من ملوك السودان, وبسلالة ملكية بالجزيرة العربية وبيزنطة وروما وبلاد الفرنج. حتى كان للحروب الصليبية صداها, حيث جاء الصليبيون من الغرب, وجاء عنترة في صياغة جديدة من سوريا.
وفى سيرة "علي الزيبق", أو سيرة أشطر الشطار في التراث الشعبي العربي, وثيقة فنية لرفض ظلم الحكم العثماني. تنوعت الأراء حول "علي الزيبق" وزملائه. قال البعض أنها من خلق الخيال الشعبي, وأكد البعض بواقعية الشخصيات. عموما فعلي لا يتسم بالقوة كما في عنترة, أهم ما يتسم به الذكاء واختراع الحيلة.
كان علي رئيس عصابة في بغداد, في القرن الخامس الهجري, والحكاية جعلت القاهرة مولده وبغداد مكان نشاطه. وتتعدد صداماته مع الكلبي, تتعدد ملاعب علي في صورة خادم, وفي صورة فتاة لعوب وملاعيب أخرى.. حتى يقع بسبب امرأة لعوب دسها الكلبي عليه. عموما تبدأ اللأعيب وتكثر على طول السيرة. لتصبح في النهاية وثيقة احتجاج أدبية على الحكم الفاسد.
وتعد تلك السيرة آخر السير ذات الأصل التاريخي, بعد عنترة والسيرة الهلالية والظاهر بيبرس والسيد أحمد البدوي. أما ما جاء بعدها فقد غلب عليها الخيال الفني وإبداع الوجدان الشعبي.
من تلك السير الشائعة بعد "علي الزيبق" كانت "ابن عروس", "ياسين", "متولي", "أدهم الشرقاوي".. أما الأخيرة فقد عولجت كالتالي.
تطرح تلك السيرة قضية الثأر في السيرة الشعبية. فأدهم في نظر القانون مجرم, إلا أن الوجدان الشعبي تعاطف معه, وفي الواقع دفع الأهالي مئة جنية وتبدل حكم الإعدام بالسجن ست سنوات.
تتسم هذه السيرة بالبطل الفرد, فلا غير أدهم شخصية محورية أو بطلة, بعكس سير "حسن ونعيمة", "ياسين وبهية", "عزيزة ويونس" وغيرها.
ولد أدهم عبد الحليم عبد الرحمن الشرقاوي عام 1898م في قرية تابعة لمركز "ايتاي البارود", والده من الأغنياء وكذلك بقية أفراد العائلة. قتل في عام 1921م عن ثلاث وعشرين سنة.
لسنا بصدد تفاصيل السيرة المعروفة, فقط الملاحظ الأكيد أن الرواية الرسمية تخالف الرواية الشعبية. فور أن عرف بمقتل عمه وجه الاتهام إلى الحكومة, لتبدأ الصيغة الشعبية بتحدي الوجدان الشعبي للحكام. وتوالت الأحداث بالقبض عليه وقد رفع قضية الثأر ضد الحكومة, وهو ما استتبع بالهرب من السجن, وطلبت السلطة القبض عليه حيا أو ميتا. صحيح تعرف على القاتل في السجن وقتله, إلا أن ذلك لم ينهِ القضية. هرب من السجن وقتل صهر وزير الأوقاف, لتبدأ سلسلة من المعارك ولا تنتهى الا بمقتل أدهم.
أما أن يقتله على الحقيقة جندي بوليس, وفى النص الشعبي صديق خائن.. والدلالة في الحالتين واضحة. أن الرجل القاتل وهو من الشعب إلا أنه نفذ أوامر أعداء أحدهم, إنها الخيانة يستوي عندها الصديق الخائن أو رجل البوليس الخائن (من وجهة نظر الوجدان الشعبي).
هناك جملة ملاحظات رصدها الكاتب بعد عرض العديد من السير الشعبية وتحليلها من وجهة نظر الوجدان الشعبي:
- أن البعد الديني/ الإسلامى مهم جدا في السيرة الشعبية.
- أن كل الشخصيات التي تنتسب إلى القرن التاسع عشر الميلادي وما قبله.. كلها تنتسب إلى أكثر من قطر إسلامي عربي.
- أن البطل في السيرة الشعبية "سوبرمان" أي خارق القوة بلغة العصر الآن.
- تعتبر السيرة في الصياغة الشعبية, من أهم سيمات المقاومة بالمفهوم الايديولوجي.
- "الظاهر بيبرس" وحده من الشخصيات التاريخية التي تتسم بالبطولة, هو الذي تعاملت معه الذاكرة الشعبية, على الرغم من مكانة صلاح الدين الأيوبي وغيره. حتى أنهم نسبوا إليه الخوارق والأساطير, وهناك العديد من التفسيرات العلمية لهذا الموقف وإن أقر الكاتب بصعوبة التفسير النهائي.
- الدارسون أفادوا بأن التراث الشفاهي لصاحب الربابة الصعيدي والفلاح هو وحده الحافظ على التراث, وأن الفلاح لا يعطي إلا ما يريده هو.
ويبقى في النهاية الإشارة إلى أن الوجدان الشعبي لا تحركة أية قوى أخرى غير أحلام وأمنيات الشعوب.
نعم ولد أدهم الشرقاوي وكان سعد زغلول عمره 38سنة هل سأحصل على جائزة ؟
منقول