عدد الرسائل : 209 العمر : 51 نقاط : 576 تاريخ التسجيل : 25/01/2009
موضوع: التكامل والتوازن فى التربية 2 الإثنين 17 مايو 2010, 1:52 pm
التكامل والتوازن على مستوى المجتمع
فالتكامل والتوازن مطلوب على مستوى المجتمع ككل، وهذا يشمل:
أولاً: رعاية كافة فئات المجتمع: وذلك يعني ألا تكون التربية خاصة بفئة دون فئة، فمن المهم أن نعنى بتربية النشء، وتربية الشباب، وتربية طلاب العلم، وأن تصرف جهود كبيرة في ذلك؛ لكن حين نغفل عن تربية قطاع مهم من قطاعات المجتمع، عن تربية المرأة والفتاة، وعن تربية الطفل فإن هناك إخلالاً بالتكامل. إنك تُسرُّ وأنت ترى الجهود المبذولة في تربية الشباب وتربية الجيل، لكنك يدركك الأسى حين تتأمل في الجهود المبذولة في تربية الفتاة وتربية المرأة –على سبيل المثال- فما الجهود التي تبذل لتربية هذا القطاع المهم من قطاعات المجتمع ؟ وما حجم الكتابات والأعمال والجهود والمدارس التربوية التي تقدم للطفل المسلم الذي يرى وهو في منزله الأفلام التي تحكي له الشرك بالله – عز وجل – عافانا الله وإياكم؟ وللطفل الذي يتربى على الشهوات من صغره؟ وقل مثل ذلك في سائر الطبقات.
ثانياً: التكامل بين المؤسسات التربوية: وذلك بأن تتكامل الجهود وتتضافر في كامل المؤسسات التربوية من المنـزل والمدرسة والإعلام والمسجد؛ فلا يليق أن تربي المدرسة الشاب تربية يسمع نقيضها بعد ذلك في الشارع، ويراها في وسائل الإعلام؟ إننا نعيش ازدواجية تربوية فيسمع من خلال المنبر في خطبة الجمعة حديثاً يرى نقيضه في الشارع، ونقيضه في النادي، ونقيضه في وسائل الإعلام، ونقيضه في المنـزل، يسمع حديثاً في المدرسة ثم يرى نقيضه بعد ذلك في سائر المؤسسات! إن مثل هذا السلوك لا يعدو أن يُخرج لنا جيلاً يعيش في حلقات مُفرغة. وحين نكون جادين في تربية الجيل، فلتتكامل مؤسسات التربية كلها في المجتمع لتسير في خط واضح واحد يتفق مع عقيدتنا الإسلامية، ومع منهجنا، ومع هوية الأمة، وحينئذٍ نرى الثمرة اليانعة بإذن الله.
ثالثاً: التكامل داخل المؤسسة التربوية الواحدة: إننا نرى على - سبيل المثال - في المنـزل –وهو الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية- تناقضاً تربويًّا بين قطبي الأسرة، بين الأب والأم؛ فالأب له كلمة تخالف كلمة الأم، والأم لها منهج يخالف منهج الأب، وكيف نتصور شابًّا صغيراً أو فتاةً صغيرةً ترى التناقض وازدواجية التوجيه داخل البيت من الأم والأب؟ وقد يكون هناك خلاف بين الأب والأم حول بعض الوسائل أو الأساليب التربوية، وقد يكون بينهم خلاف حول بعض الحلول لبعض المشكلات، وهذا أمر طبعي بل ينبغي أن تختلف وجهات النظر؛ لكن هذا شيءٌ، وبروز هذا الخلاف على السطح شيءٌ آخر، هذا شيء، والتعامل مع الطفل من خلال الاختلاف شيءٌ آخر.
رابعاً: التكامل بين الوسائل التربوية: إننا وللأسف في مجالات كثيرة لا نحسن إلا أسلوباً واحداً: أسلوب التوجيه المباشر أسلوب الأمر والنهي، أسلوب الترهيب والوعيد والعقوبة، من الأب الذي يكافئ ابنه ويثني عليه حين يحسن؟ ومن الأستاذ الذي يكافئ تلميذه حين يبدو منه موقفاً يستحق المكافأة والثناء؟ وحين نستخدم العقوبة فإننا ينبغي أن نستخدم بالقدر نفسه - أيضاً – الثناء والثواب؛ وحين نستخدم الترهيب فإننا ينبغي أن نستخدم بالقدر نفسه الترغيب؛ وحين نستخدم التوجيه المباشر فإننا ينبغي - أيضاً – أن نستخدم بالقدر نفسه التوجيه غير المباشر؛ إننا نفتقر كثيراً في مؤسساتنا التربوية في المدرسة والمنـزل-بل ربما في الدرس التربوي في المسجد- نفتقر إلى التكامل بين الوسائل والأساليب التربوية؛ فلا نكاد نجيد إلاّ أساليب محدودة، والأساليب المحدودة ربما تصب في قالب واحد ولا شك أن هذا سوف ينتج لنا تربية نشازاً . وحين نقرأ القرآن الكريم نجد أن القرآن ينوع بين الترغيب والترهيب، والقصة والموعظة، وبين الثناء وبين العتاب على الخطأ. وسنة النبي صلى الله عليه وسلّم هكذا؛ فهو صلى الله عليه وسلّم تارة يثني على أصحابه، وتارة يعاتب أحدهم، وتارة يغضب عليه، وتارة يوجه توجيهه مباشراً، وتارة غير مباشر، وهكذا نرى هديه صلى الله عليه وسلّم التكامل بين الأساليب والوسائل التربوية. وسائل تعين على تحقيق التكامل والتوازن
كان الحديث فيما سبق عن شيء من مضمون التوازن والتكامل، وأرى أن ما ذكرته لا يعدو أن يكون أمثلة تدل على ما سواها، ومعالم تقود إلى غيرها بعد ذلك ننتقل إلى أمور وخطوات أظن أنها قد تكون معينة لنا على أن تتكامل تربيتنا وأن تكون متوازنة .
أولاً: التخطيط والإعداد: مَنْ مِنَ الأمهات والآباء يجلس مع نفسه ويفكر تفكيراً هادئاً في واقعه مع ابنه وابنته؟، وكيف يمكنه التعرف على مشكلاتهما وكيف سيتعامل مع هذه المشكلة وتلك؟ وكيف سيوفق في هذا الهدف أو ذاك؟ والأستاذ والمربي أيًّا كان موقعه كم يأخذ منه التفكير والتخطيط والترتيب للعملية التربوية؟ حينئذٍ ندرك سر الخلل؛ وأنه صادر عن تصرفات مرتجلة لم يسبقها تخطيط وتقعيد من قبل .
ثانياً: وضوح الأهداف واتفاقها مع الأهداف الشرعية: فينبغي أن نرسم أهدافاً نريد أن نصل إليها، وهذه الأهداف يجب أن تكون أهدافاً منضبطة مع الضوابط الشرعية؛ فالتربية التي تدعو إلى تكوين المواطن الصالح تربية تخالف المنطلقات الشرعية؛ لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة لا تعرف الحدود ولا تعرف الحواجز، وحين نربي أبناءنا وبناتنا على الإقليمية وعلى العنصرية، على أن يوالي ويعادي على المعايير القبلية والإقليمية والوطنية، فإن ذلك هدف غير شرعي. وأخطر من ذلك حين تتطور القضية على المستوى الفكري وعلى مستوى ما يطرح في الساحة، فيربى الناس على التعلق بالقومية، وبالشعارات الوطنية، إن هذا يخرج لنا أمة متناقضة أمة متناحرة. وحين نربي بناتنا وأولادنا على أن يكون همهمّ الأول هو تحصيل المادة، وحين نربيهم على أن يكون هم التعليم هو تحصيل الشهادة فهذه أهداف مرفوضة، وأهداف لا تتوافق مع أهداف الشريعة التي يريدها الله - عز وجل – أن تخرج المسلم العابد المتجرد لله - عز وجل - .
ثالثاً: المراجعة المستمرة: إنما ينبغي أن نراجع كثيراً من مناهجنا التربوية، وأن نراجع الأساليب والوسائل التي نستخدمها في بيوتنا وفي مدارسنا ومؤسساتنا التربوية، وكل عمل تربوي نرسمه فهو جهد بشري لا يستغني عن المراجعة والتصحيح، وحين نرفض المراجعة فإن هذا يعني أن نبقى على ما نحن عليه من أخطاء ونبقى على ما نحن عليه من زلاّت وهفوات.
رابعاً :عدم الاستجابة لردود الأفعال: إن غالب حالات الخلل الذي ينشأ في رعاية هذا الجانب إنما هي ردة فعل واستجابة لأفعال تولد الانحراف. ففي المعتقد: المرجئة الذين قالوا لا يضر مع الإيمان ذنب , إنما قالوا قولهم هذا ردة فعل لأولئك الخوارج الذين غلوا فكفّروا مرتكب الكبيرة، فجاء أولئك وغلوا في هذا الجانب، وأولئك النواصب الذين ناصبوا آل بيت النبي صلى الله عليه وسلّم العداء إنما جاء موقفهم ردة فعل لانحراف الرافضة الذين يسبون أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، والذين شبهوا الله - سبحانه وتعالى – بخلقه، إنما انطلقوا من ردة فعل لأولئك الذين نفوا صفات الله - عز وجل -. وقل مثل ذلك في المدارس الفقهية والتربوية. وحينما يكتشف الإنسان في تربيته لنفسه أنه قد وقع في خطأ فركّز في جانب على حساب آخر، فإنه غالباً ما يجنح إلى ردة الفعل فيغلو الطرف المقابل؛ إنه قد يرى غيره ممن يعتني بالعبادة على حساب طلب العلم الشرعي وعلى حساب الدعوة، فيرى أن هذا خطأ، فيعالج هذا الخطأ بخطأٍ آخر؛ فيهمل جانب العبادة ويهمل التقرب إلى الله تعالى، ويعيش قاسي القلب ليس له حظ من عبادة الله - سبحانه وتعالى –. وقل مثل ذلك في سائر الجوانب، فينبغي أن نحذر ونحن نعالج أخطاءنا من ردود الأفعال، وأن نحذر أيضا ونحن نعالج أخطاء الآخرين من ردود الأفعال، وأن تكون مواقفنا متزنة. من صور التكامل والتوازن في المجال الفردي من صور التكامل والتوازن في المجال الفردي: إننا لا نستطيع أن نأتي على جميع ما نريد فلعلنا نقتصر على بعض النماذج على المستوى الفردي وعلى مستوى المجتمع كله . تنبيهات أخيرة
الأول: إننا حين ندعو إلى التوازن في التربية، فندعو الشاب إلى أن تكون له صلة بالله - عز وجل – والعبادة ونصيب من العلم الشرعي، ونصيب من الدعوة إلى الله تعالى، وإنكار المنكرات ونصيب من أبواب الخير، فإن التوازن ليس مرادفاً للتساوي والتعادل، فهذا لا يعني أن يحمل من كل شيء قدراً متساوياً، فإن الناس طاقات ومواهب وقدرات، ثم إن الأمة الإسلامية تحتاج أبواباً كثيرة قد تؤدي إلى أن يربى بعض الناس على جانب، وأن يعنى بعض الناس بجانب ويتأخرون في جانب آخر. وحين ندعو إلى التوازن فإننا لا ندعو بالضرورة أن تكون النسب متساوية ومتعادلة، إنما التوازن يعني على سبيل المثال أن لا تكون عبادة الإنسان على حساب عنايته بالعلم الشرعي، وأن لا يكون طلبه للعلم على حساب عنايته لصلاح قلبه، أوعلى حساب دعوته، وقل مثل ذلك في باقي الجوانب
الثاني: الدعوة إلى التكامل والتوازن لا تعني إهمال التخصص؛ فالناس خلقهم الله – عز وجل – متفاوتين في عقولهم وقدراتهم، كما قال الإمام مالك – رحمه الله -: "رب رجل فتح له في الصيام ولم يفتح له في الذكر، ورب رجل فُتح له في العلم ولم يفتح له في الجهاد، وما أظن أن ما أنا عليه دون ما أنت عليه وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر " قال هذا – رحمه الله – لذاك الرجل الذي أنكر عليه العناية بالعلم وقلة التفرغ للعبادة، فلابد من التخصص ولا بد من أن يعنى فلان بجانب من الجوانب، وقد يكون على حساب غيره، ولكن هذا التخصص ينبغي أن يكون بقدر لا يخرج المرء عن القدر المشترك الذي ينبغي أن يكون عند الناس جميعا. إذن فالتكامل والتوازن لا يعني إهمال التخصص ولا يعني إهمال القدرات الشخصية التي قد يفوق فيها فلان من الناس عن غيره، ولا يعني أن تكون الأمور كلها بنسبٍ متعادلة. لكن الذي اشتغل بالعلم والتعلم –على سبيل المثال - وصرف فيه نفيس وقته، وهو على خير ولا يليق به أن يهمل جانب العبادة وحقه منها إهمالاً واسعاً بحيث يؤدي به إلى قسوة القلب، وأن يكون بعيداً عن ما ينبغي أن يكون عليه سمت أهل العلم، وقل مثل ذلك فيمن يدعو إلى الله ويحتسب في إنكار المنكرات العامة،، هذا ما أردت الحديث عنه حول هذه القضية التربوية حول قضية التكامل والتوازن، أسأل الله - عز وجل – أن يجعل فيما قلت الخير والبركة، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، إنه سميع قريب مجيب.