الموضوع الثاني: قيم أساسية في التربية:
ثم انتقل المؤلف للحديث عن الموضوع الثاني, وهو بعنوان قيم أساسية في التربية, ومن هذه القيم الإيمان الحي, فهو أول قيمة ينبغي أن نهتم بها، وننشئ أبناءنا عليها، فهو القاعدة العظمى التي من غيرها لن يجد المسلم أي إطار مرجعي ذي قيمة لكل الأخلاق والقيم الأخرى، فالإيمان الحي يدفع المسلم دفعًا إلى مناجاة الله تعالى في السراء والضراء، والاعتصام به عند الكروب والأهوال.
وحين يصبح الإيمان على هذه الصورة، يكون مصدرًا لابتهاج الروح وراحة الفؤاد واطمئنان النفس.
ومن هذه القيم أيضًا النية الصالحة، حيث كان السلف رحمهم الله يركزون على قضية النية، وضرورة إخلاصها لله تعالى، وكانوا ينظرون بحساسية قوية لموضوع طلب العلم، حيث كانوا يشددون على ضرورة أن يكون طلبه لله تعالى، فإن أسعد الناس بالعلم هو الذي يطلبه قربة إلى الله تعالى، لأنه يقصد به إصلاح شأنه ونفع الناس.
ومن القيم أيضًا التي ذكرها المؤلف، التفوق والنجاح, فالحرص على التفوق والنجاح والارتقاء المستمر من المعاني المهمة التي ينبغي أن يحملها أبناء الجيل الجديد, ولاسيما أن الحياة تزداد صعوبة وقسوة، وفرص العمل الجيد لا تتاح إلا للمتفوقين المتميزين، ومن المهم أن نوضح لمن نربيهم أن الواحد منهم قد يتفوق تفوقًا عظيمًا ولو لم يكن من أسرة ثرية، أو لا يتمتع بقدرات عقلية ممتازة، المهم في كل الأحوال والظروف أن يمتلك الفتى أكبر قدر ممكن من المفهومات والعادات التي تساعده على التفوق، والتي من أهمها: طلب المعونة من الله تعالى واللجوء إليه والثقة بما عنده، إلى جانب المحافظة على الوقت, والمثابرة.
الموضوع الثالث: البيئة التربوية:
والحقيقة أن التساؤل حول وجود بيئة تربوية تساؤل مشروع ومفهوم, ولا سيما إذا علمنا أن كثيرًا من الفتيان صاروا ينتقلون عبر وسائل البث والاتصال في أرجاء العالم، وصاروا يتواصلون مع بيئات أجنبية عن بيئتهم المحلية على نحو كثيف لا يقل أحيانًا عن تواصلهم مع أهليهم وأبناء بلدهم، ومع هذا فإن الأطفال والفتيان والشباب يظلون أميل إلى الثقة بذويهم ومعلميهم أكثر من ثقتهم بما يرون ويسمعون مما لا يعرفون أي شيء عن مصادره وخلفياته, بل إننا إذا نجحنا في تحسين مستوى الحيوية والتفاعل في مدارسنا وجامعاتنا، فإن كثيرًا من الأبناء سوف يتخذون من توجيهات معلميهم ومرشديهم نظارات يرون من خلالها العالم.
الانسجام مع الذات: فيمتلك الأطفال والفتيان درجة عالية من البراءة، فهم يثقون بالكبار ويعتقدون بصدق ما يقولونه، ويستغربون ما يرونه من تصدع بين الأقوال والأفعال في سلوكات الكبار، ويقفون حائرين عاجزين عن الفهم والتأويل، حينما ينتظم الأطفال في الدراسة، ويتفاعلون مع المواد الدراسية تبدأ لديهم محاكمات من نوع جديد، ففي هذه المرة يقارنون بين ما يلقنهم إياه أساتذتهم وما يقرءونه في الكتب المدرسية وبين ما يشاهدون من سلوك آبائهم وأقربائهم وأساتذتهم وزملائهم، ويصبحون تحت وطأة صراع وحركة شد وجذب، وتحت هذا الصراع يتشكل لديهم عدد كبير من المشاعر والمفهومات المزعجة التي تُضعف في النهاية من صلابة الشخصية.
وهذا في حد ذاته أمر صعب فتتحمل المدرسة مسئولية كبيرة، والحل الوحيد هو أن تبذل كل ما في وسعها كي تجعل من نفسها بيئة منسجمة مع ذاتها، متناغمة مع الرسالة التي تسعى إلى تبليغها لطلابها وتقوم بتربيتهم عليها، ويتطلب ذلك أيضًا تضييق الفجوة بين واقع المدرسة, وواقع سلوك معلميها وموظفيها, وعلاقتهم ببعضهم.
ليست المدرسة جزيرة معزولة: فالبيئة المدرسية مهما نالت من العناية تظل جزءًا من بيئة عامة, ومن الصعب إدخال تحسينات جذرية عليها إذا كانت الأوضاع في البيوت والشوارع سيئة منهارة، وهذا هو السر في أن كثيرًا من الدول النامية استعارت نظمًا تعليمية وغير تعليمية من بلاد الشرق والغرب وحاولت الاستفادة من تجارب الأمم المتقدمة، لكن النتائج كانت دائمًا دون الطموحات، لأن النظام التعليمي ما هو إلا نظام فرعي يتنفس ويتغذى في فضاء بيئة شكلتها مجموعة النظم العقدية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية.
وهناك عدة مواصفات للبيئة التعليمية الجيدة ذكرها المؤلف، من بينها:
1. لابد من الالتزام بالمبادئ والقيم الإسلامية, لأنها تشكل الأساس العميق الذي يقوم عليه البناء التربوي كله.
2. تحفيز روح الانفتاح والمصارحة والمشاركة والتعاون لدى جميع المنتسبين إليها من إداريين ومعلمين وطلاب.
3. المدرسة الجيدة لا تحاول أن تجعل طلابها عبارة عن نسخ مكررة ينظرون إلى الأشياء من منظار واحد، ولا يحسنون سوى تنفيذ الأوامر، وإنما تترك مساحات للتنوع الشخصي والسلوكي والفكري في إطار الالتزام الشرعي.