سعادات حسين
عدد الرسائل : 305 العمر : 64 نقاط : 616 تاريخ التسجيل : 06/09/2009
 | موضوع: الذوق لم يخرج من مصر الثلاثاء 19 أكتوبر 2010, 8:10 pm | |
| المرجعية الثقافية لسلوكياتنا بقلم: د.أحمد تيمور سأل أمير إحدي المقاطعات الصينية يوما حكيم الصين كونفشيوس عن كيف يرتقي بشعبه, فنصحه كونفشيوس بأن يبدأ بضبط الألفاظ, فاذا انضبطت الألفاظ انضبطت الأفكار, واذا انضبطت الأفكار انضبطت الأفعال, وحينها سيعرف الشعب ماذا يفعل بأصابعه العشرة وعلي أي ساق من ساقيه يرقص. اذن سلوك الناس رهن بأفكارهم التي تعبر عنها كلماتهم, فاذا ماكانت هذه الكلمات مستمدة من معاجم تحتفي بالفجاجة وتحتفل بالسوقية, ولايراجع هذه الفجاجة أو تلك السوقية أحد يصبح التواطؤ بالصمت موافقة علي الانحدار العام في الأخلاق والسلوك. ان مثل هذه المراجعات الثقافية فرض كفاية تقوم به نيابة عن المجتمع نخبة من أبنائه الذين هم عدته في حراسة قيمه والدفاع عن منظومة مثله. وليس كالغناء والدراما اليوم بوق لنشر المفردات الجديدة وترسيخها في وجدان الناس حين تتداولها الألسنة وتروجها الشفاه.
والأغنية أسرع من التمثيلية لأنها بمساندة الموسيقي ومساعدة إبهار الصورة اليوم قادرة علي الاختراق والاستيلاء علي مواطن التأثير في الناس بما يقترب من استلابهم أو ينتهي باختطافهم, خاصة الشباب الذين لم يتحصنوا ضد هذا الاستلاب أو ذاك الاختطاف بتكوين ثقافة ناضجة قادرة علي الفرز والتنحية.
ان الأغنية المتبرجة المشاهد والمعاني والعارية الألفاظ والتي تغص بها الفضائيات العربية اليوم لاتفتأ تدس مفرداتها المسفة في قاموس الشباب وفي نفوسهم وفي عقولهم أيضا. والاسفاف هو ذلك البلدوزر الذي يمهد الطريق لتنطلق عليه بعد ذلك كل العربات التي تحمل بضائع التغييب والتغريب لشبابنا الذي تنكسر فيه شيئا فشيئا كل المعاني الايجابية التي تؤكد ذاته ومواطنته وانتماءه.
لقد أمكن للعملة الرديئة أن تطرد العملة الجيدة من سوق الغناء, وأمكن للرداءة أن تحتكر المنافسة وتحكم السيطرة وتنفرد بالذوق الناشيء الذي سوف يعتاد علي الاسفاف اعتياد المدمن علي جرعة المخدر التي لابد أن تتضاعف حتي تمنح مفعولها الأول في التغييب ـ كما يقتضي قانون الادمان ـ وتصل بالشباب الي التغريب مما يعني القطيعة مع الموروث الذي لابد من التواصل معه والبناء عليه لكل أمة تستهدف التقدم في أي ميدان من الميادين, بل إن هذا الموروث تعرض للعبث به والتشويه له, وقد حدث هذا مرارا من تناول بعض المقاطع عميقة الأثر في نفوسنا لسيدة الغناء العربي تناولا تجتمع فيه البذاءة بالاستهتار علي أساس ألا يفلت عصر جميل من قبضة القبح, لقد تأذينا كثيرا من هذا التناول, ولكن لم يحرك أحد ساكنا من أجل إيقاف ذلك التهريج السمج في أوله..
إن مانرصده يمثل عرضا من أعراض الأزمة الأخلاقية التي نعايشها, فهل كانت مصر من نصف قرن تعيش مثل هذه الأزمة أم كان المشهد مغايرا؟.. ان كل الشواهد تقيم الدليل علي أن الأمر كان جد مغاير, لقد كانت عبارات المجاملة علي مشاكلة من فضلك.. ولو سمحت.. ولامؤاخذة شائعة بين المصريين شيوع العشب في الأرض الطيبة في ذلك الزمن الذي يحمل عن وجه حق ـ وليس من قبيل الحنين الي الماضي ـ لقب الزمن الجميل. لقد كنا شعبا راقيا يتحري الذوق في ألفاظه والرهافة في مسلكه. ان المرجعية الثقافية والتي هي الحكم علي الكلمة والموقف كانت مختلفة.. نعم كانت مختلفة.. فالكتاب كانوا من كتيبة طه حسين وعباس العقاد ويحيي حقي وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وسلامة موسي ويوسف ادريس وعلي قدر قاماتهم كانت كل سرايا المبدعين في مجالات الابداع المختلفة..
ان خلو الساحة من المرجعية الثقافية التي يحسب لها ألف حساب ـ هو الذي أتاح الظهور لكليبات الأغاني التي يقترب بعضها من توليفة مناظر البورنو ومسامعه.
إن لجرائم الشارع المصري أسبابها الثقافية والتي هي بنفس أهمية الأسباب الاقتصادية, فغياب دور المدرسة التربوي علي سبيل المثال بعد استئثار المدرسين الخصوصيين بدورها التعليمي التلقيني يعد سببا من أسباب النكوص الثقافي للشارع المصري.
إنه ليس من قبيل المصادفة مرور معرض الكتاب بنا مر الكرام دون أثر يذكر وقد كان في يوم من الأيام عرسنا الثقافي الذي نزهو به ونتيه أو ليس هذا دليلا اضافيا ـ ولاحاجة لنا الي اضافته ـ لقائمة الأدلة التي نحاول أن نقيمها علي خلو الساحة من المرجعية الثقافية التي تضبط ألفاظ الناس, ومن ثم تضبط افكارهم وتضبط أيضا الوجدان العام الذي يحكم السلوك العام والآداب العامة ويعيد للمجتمع المصري تقاليده العريقة في تقصي الرقي.. وملاحقة الذوق الذي لم ولن يخرج من مصر أبدا. الأهرام 2007
-------------------------------------------------------------------------------- |
|